إطلالة هشام شرابي
في مساحة تنشر فيها الجمعية نصوص ذات دلالة، اخترنا نصاً لأحد كبار مفكري العرب في القرن العشرين الدكتور هشام شرابي، وهو من إباء فكرة تأسيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع، ومن أشهر مؤلفاته “مقدمات لدراسة المجتمع العربي”، “المثقفون العرب والغرب”، “النظام الأبوي”…
الخطوة الأولى إلى التحرير تكمن في التحرير الذاتي، وبداية التحرير تكمن في التخلص من عبودية الفكر المسيطر.
لا يستطيع المجتمع الذي يرمي الى تغيير ذاته النجاح دون أن ينفذ أولاً الى عملية معرفة الذات. فالمعرفة الذاتية هي الشرط الأساسي للتغيير الذاتي، في الفرد كما المجتمع. ولا تكون هذه المعرفة مجرد معرفة نظرية بل معرفة نقدية قادرة على اختراق الفكر السائد والنفاذ الى قلب القاعدة الحضارية التي ينطلق منها سلوكنا الاجتماعي، وينبع منها فكرنا وقيمنا وأهدافنا. والوعي الصحيح هو الوعي النقدي القادر على كشف الواقع وتعريته وإظهار قاعدته الحضارية.
وفي مجتمعنا، منذ بداية عصر النهضة، غلبت المعرفة الدفاعية والفكر “الدفاعي” على المعرفة النقدية والفكر النقدي، فأخذ مثقفونا يرسمون لنا صور تاريخنا وحضارتنا ومجتمعنا في شكل تبريري، في وجه سيطرة الغرب ونفوذه وأصبح هدف المعرفة درء الخطر عن الذات، بدلاً من معرفة الذات وتفهمها. وبذلك تحجر الفكر النقدي منذ البداية، وبدلاً من أن يأخذ خط التفهم والتحليل أخذ خط التفسير والتبرير.
إن مفهوم “التمويه” مفهوم في غاية الأهمية لابد لنا من اسيعابه اذا اردنا التوصل الى المعرفة النقدية الصحيحة. وهو مفهوم مستمد من علم النفس ويعني حجب حقيقة شيئ ما، بمختلف الطرق والوسائل. وبواسطة التمويه تتمكن الثقافة الاجتماعية المهيمنة من أن تفرض نظرتها وقيمها وأهدافها. ولا يقتصر التمويه على حقول الأيديولوجية السياسية والدينية والأخلاقية وحسب، بل يتعداها الى الحقول العلمية والفلسفية. فيثبت أسلوب البحث العلمي والتعليم والتجريدات الفكرية بتقسيم حقول البحث أجزاء واختصاصات لاعلاقة بينها، ويصبح العالم روالمتعلم صاحبي مهنة وتخصص بعيدين عن واقعهما اليومي، وفي الوقت ذاته راضخين للقوى المسيطرة فيه. ويبدأ جدار التمويه بالانهيار عندما يحصل في المجتمع تحرك يؤدي ببعض افراده الى التساؤل حول المعطيات الأساسية المسلم بها في المجتمع.
المصدر: مقدمات لدراسة المجتمع العربي.
