إطلالة عبد الوهاب بوحديبة

في مساحة تنشر فيها الجمعية نصوص ذات دلالة، اخترنا مقتطفاً لعالم الاجتماع التونسي الكبير عبد الوهاب بوحديبة، الذي تخرجت على يديه نخب متعاقبة من الاجيال، وكان من القادرين على ترك بصمة معرفية أخلاقية في كل من عرفوه، وانتهت حياته وهو يرأس مؤسسة بيت الحكمة في تونس. يمثل الشباب في كل مجتمع عموده الفقري فهو أولا وبالذات كنز للمستقبل وإعداده بجعله يتحمل عبء الماضي فهو يحمل التراث المعنوي والأخلاقي والثقافي لكل مجتمع ولذا لا نعدّ الشباب حسب معطيات اليوم ولكن حسب ما نعتقد أنه سيكون مستقبلا دورا له ليقوم مقام الاجيال الكهلة الحالية.الانسان يمثّله الشباب في ماضيه وفي حاضره وفي آفاقه المستقبلية لذا أصعب تربية هي تربية الشباب لأننا من ناحية نسعى أن نقدّم له في سنوات قليلة زبدة ما اكتسبته الانسانية منذ أن وجدت على هذه الارض ولكن اعدادنا له ليس في اطار قوالب جاهزة ولكن في اطار حركية تجعله يسيطر على ملكة الاكتساب المعرفي زادنا له مزدوج في نفس الوقت إذ يمثل حصيلة معرفية أقرب ما يمكن الى الكمال أو الاكتمال بالأصح ويسنح للشاب كي يكتشف بنفسه طرقا ومسالك يشعّها لايجاد حلول لمشاكل معظمها لا يخطر علىبال لأنها ليست معروفة في يومنا وإنما هي مجهولة كجلّ ما يتعلق بالمستقبل:كانت في المجتمعات التقليدية التربية الاسرية تسيطر عليها الى حدّ ما لأن الاستمرارية كانت تمثّل عنصرا من عناصر الحياة الاجتماعية في حين أن البشر دخل اليوم في طور جديد من تاريخه يتمثل في سرعة التغيير مما يجعلنا في حاجة أكثر للتركيز على ما يتداوله المجتمع جيلا بعد جيل بحيث أصبح من الصعب جدّا أن ينتقل جيل ما بمكاسب الاجيال السابقة فحسب. ملكة الابداع والاختراع تمثل الحاجة الماسة في تربيتنا الجديدة.معنى الزمنية تغيّر فيركن المجتمع في عوامله للتربية الى قابلية استنباط الحلول أكثر من قابلية استيعاب الحلول الجاهزة فهذا العنصر الذي كان موجودا في كل تربية أصبح اليوم أهم العناصر في تكوين الشباب.فالشباب زاد من حيث لا يتعهد فقط باستيعاب الماضي بل الى جانب ذلك يتعهد بالمستقبل فالذي يرثه منا ليس الماضي بقدر ما هو المستقبل.من ميزات الشباب قلة الصبر لأنه لا يمكن له نفسانيا ولا أخلاقيا ولا اجتماعيا أن يكتفي بما لديه.نحن غرسنا فيه هذه الجبلّة… جبلّة النقد والرفض وعدم الرضاء ومن مفارقات مجتمعنا أننا كل ما بنينا هيكلا الا وظهرت هياكل عديدة تفرض نفسها علينا حتى نبني أشياء أخرى.هذا التطور السريع هو الذي يجعلنا بين موازنات صعبة التحديد بين ما نقدم وبين ما ينتظر منّا، فلا يمكن لنا إلاّ أن نقبل ثورات الشباب مع محاولة ترويضها وتطويرها، بل ربما استغلالها لبناء المستقبل.وهذه الموازانات هي التي تجعلنا دائما وأبدا نلهث وراء تلبية آمال كلما خيّل لنا أننا ساهمنا في ارضائها إلاّ وظهرت آفاق عدم الرضا من ناحية أخرى.نحن نعلم أن العين بصيرة واليد قصيرة وكلما سخرنا مجهودا في هذه الحركية الدائمة المتواصلة إلاّ وظهرت حاجيات أخرى. فهذه الحاجيات الجديدة علينا أن ننظر إليها بصفة ايجابية، فلذلك التروي.. هو ترو من حيث الامكانات والتروي من حيث الطموحات.. أردنا ونريد أن يكون شبابنا طموحا وأردناه كذلك، الذي لا نقبله هي المبالغات والانزلاقات والمطلبية المستمرة مع ضرورة أخذها بعين الاعتبار والتعامل معها بصفة المحرّك الايجابي لكل مجتمع.شبابنا كما أردنا وكما فعلنا، ففي هذه الحيوية، حيوية المجتمع فالمطلوب منّا هو الحوار مع هذه الحيوية والتعامل معها بصفة ايجابية.المصدر:https://www.turess.com/alchourouk/179418

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *