إطلالة سالم ساري

في مساحة تنشر فيها الجمعية نصوص ذات دلالة، اخترنا مقتطفاً لعالم الاجتماع الاردني البارز سالم ساري، الذي كان من الحاضرين في حياة الجمعية العربية لعلم الاجتماع:علم الاجتماع عبْر سيرته التاريخية غربياً وعربياً كان علماً شعبياً تحس المجتمعات بالحاجة إليه، وزادت هذه الحاجة بصورة واضحة في نصف القرن الماضي، حيث كان الحديث عن تنمية المجتمعات وتطويرها وتحديثها واتصالاتها وتفاعلاتها مع العالم الخارجي. لم تكن حاجة المجتمعات العربية عامة والخليجية خاصة إلى علم الاجتماع بصورته النظرية، وإنما بقدراته التطبيقية، إنها بحاجة لعلم الاجتماع إلى المدى الذي يُسهم فيه بفهم علمي للمشكلات الاجتماعية الراهنة ويسهم في مواجهة هذه المشكلات والتصدي لها. ولا أقول حلها؛ لأن حل المشكلات والقضاء عليها يعني استئصالها من جذورها، مما يعني تجفيف المصادر البنائية للمجتمع نفسه، لأن المشكلات الاجتماعية ملازمة للمجتمعات، وهي مختلفة في أنماطها وأشكالها وأحجامها. أما الحاجة إليه اليوم والآن، فهي حاجة مختلفة، حاجة للتغيير ومساعدة الناس لفهم التغيير واستيعابه والمشاركة فيه. وهذه القضية حيوية تماماً اليوم. وهي في رأيي قضية ثقافية مرتبطة بالثقافة المجتمعية السائدة، أي بثقافة الذات والثقافة العربية، ومدى تأصّل نظرية الشك أو المؤامرة فيها، وأقصد بهذا، أن علم الاجتماع اليوم يوصف بحق أنه علم اجتماع العولمة، لأن قضاياه المترسبة تنحسر، وتبقى إشكالية واحدة هي إشكالية التغيير والتأثير، والحاجة إليه قائمة ضمن هذه الإشكالية: الوعي بالعالم والاتصال به والتفاعل معه والتأثير فيه.أعتقد أن المجتمع العربي لم يوضع على المحك كما هو حاله اليوم فهو ما اختبر يوماً بمدى قدرته على استيعاب التغيير مثلما يُختبر اليوم. فأي معاينة سسيولوجية لمشكلات المجتمع لا بد أن تتجاوز المشكلات الاجتماعية التقليدية المزمنة القديمة والمتجددة، مثل: الفقر، والبطالة، والجريمة، والانحراف والأميّة والجهل . المشكلات اليوم ليست هذه إنما هي بالأحرى تحدّيات تقف أمام إرادة الإنسان العربي في مدى تصميمه أن يصبح جزءاً من العالم أولاًٍ، ومدى إصراره على أن يتجاوز حالة المراوحة والسكون إلى حالة الحركة والدينامية ثانيا، وإذا كانت ظواهر المجتمع العربي ومكوناته ظلّت مستمرة دون معاينة حقيقية إلى اليوم فإن أكثر ما يستدعي المعاينة اليوم هو الثقافة المجتمعية التقليدية ومكوّناتها: مثل العادات والتقاليد الشكلية، والممارسات الشعبية المتمثلة بالخصوصية الثقافية. مثلاً ظلّت الثقافة العربية تحتمي لفترة طويلة تحت مظلة “الخصوصية الثقافية”، وكأنها شيء خاص أو “تابو” ثقافي لا يمكن الاقتراب منه أو المساس به. وأنا أتساءل ما هي الخصوصية الثقافية فعلا في ثقافتنا العربية؟ الخصوصية موجودة في كل ثقافة بمعنى أو بآخر ولكن لا شيء خاصا في الحقيقة في أي ثقافة. أنا أعتقد لا المرأة ولا العادات أو التقاليد ولا العنف ولا الانغلاق والتطرف هي خصوصيات عربية، وإنما “بالدُعاة التقليديين” أو “حراس الأخلاق” الاجتماعية يصرّون بأن هذه جزء من الخصوصية الثقافية العربية. يجب النظر اليوم إلى الخصوصية باعتبارها تقوم على التميّز وليس التحيّز، فالخصوصية تعني صميمية المجتمع وقيمه النوعية، واهتماماته المميزة، وليس أيدولوجياته وتعصباته وتحيّزاته الكبرى والصغرى.أبرز التحدّيات التي تواجه المجتمع العربي بعامة اليوم هي إعادة الاعتبار للإنسان العربي، بمعنى أن السياسات والبرامج والمشروعات التنموية، تأخذ الإنسان مأخذاً جدّياً، فما زالت الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان كلها تحدّيات متواصلة تظهر بصورة ملحّة أكثر من أي فترة سابقة. والذي جعلها ملحة حقيقة هي العولمة. التي تطلبت تحديث التشريعات والنظم والقوانين وتفعيل منظمات المجتمع المدني وتمكين المرأة من المشاركة والتأثير. هذه وغيرها من الأولويات التنموية قضايا أشارت إليها تقارير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. والتي يصدرها باحثون عرب جدّيّون بنزاهة وموضوعية، وكلها تشير إلى النواقص التنموية التي ما زالت تشكل تحدّيات أمام الإنسان والمجتمع. فمثلاً لو ظلّت هذه التحدّيات مقتصرة على مجتمعاتنا لأصبحت محلية ضيّقة ولا تهم العالم، ولكن مع حركة العالم اليوم نحو ذاته الواحدة، وهمومه المشتركة، وطموحاته الموحدة، لم تعد المشكلات أو التحديات مخاطر داخلية فحسب، وإنما هي مشكلات وتحديات عالمية أيضاً. مثلاً ما تشير إليه التقارير الأخيرة حول بطالة الشباب العرب، وعدد الراغبين في الهجرة من الشباب العرب، وحجم الخائفين العرب كلها معدلات مذهلة حقاً، وعدد النساء في البرلمانات العربية يمثل حالة غير مريحة بسبب تدنيه, وما تشير إليه التقارير حول عدد الدولارات وحجم الإنفاق في اليوم الذي يقل عن 2,5 دولار للفرد هو رقم مرعب. وهناك أزمة المناهج التعليمية التي يتلقاها الإنسان العربي. بالإضافة إلى تدني نوعية الحياة للإنسان العربي وليس الحياة في حدّ ذاتها. كل ذلك يدق ناقوس الخطر خارجياً، ربّما أكثر من الداخلي، إذ يؤدي ذلك إلى احتقان داخلي وهو مولّد للتطرف مع تنامي الإحساس بالحرمان والقهر اللذين يُنذران بالخطر. المصدر:https://www.google.com/…/%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8…/amp/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *