إطلالة المختار الهراس
في مساحة تنشر فيها الجمعية نصوص ذات دلالة، اخترنا مقتطفاً من محاضرة للدكتور المختار الهراس بعنوان “السوسيولوجيا بين العالمية والمحلية”، والهراس سوسيولوجي مغربي مرموق وهو من الوجوه الاساسية في الجمعية العربية لعلم الاجتماع، ونص اليوم عن ” صعوبة دراسة المحلي خارجاً عن تأثيرات العولمة”:أي ثقافة محلية مازال بإمكان الباحث السوسيولوجي أن يدرس ، هل الثقافة الخصوصية أم الثقافة المعولمة ، أم الثقافة الهجينة المقتبسة من مصادر مختلفة ؟ إن الاهتمام بالمحلي ظهر في الثمانينات من القرن الماضي كرد فعل على العولمة و قد تميز ذلك بثلاث خاصيات أساسية و هي : أولا : توحيد جهود المحلي لمقاومة العولمة . ثانيا : الاهتمام بالمحلي كمصدر للخصوصيات و الاختلافات . ثالثا : الاهتمام بالمحلي كخزان للمعنى بالنسبة للأفراد و الجماعات . فالمحلي من كل هذا لديه معنى أولي وهو معنى تقليدي و يتمثل في مكان إقامة الجماعة ، وهناك المعنى الثانوي و يتمثل في المنتوجات المحلية التي يتم تسويقها عبر العالم ….علاوة على ذلك هناك المحلي الافتراضي الموجود في الشبكة الافتراضية . هل يمكن معرفة العناصر المعولمة خارج نطاق علاقاتها بالمحلي ؟ و يجيب كثير من السوسيولوجيين بأنه ليس هناك عنصر معولم بدون مجهود محلي ، فالمعولم يتجلى في المحلي ولا يوجد حاليا عنصر ثقافي محلي لا يتأثر بهذا المعولم . الدراسة السوسيولوجية ستكون ناقصة إذا لم تستهدف نقطة مهمة في العلوم الإنسانية ، و خاصة في السوسيولوجيا ، وهي مسألة التنبؤ ، أو استشراف المستقبل، وهذا ما طرحه الأستاذ الهراس في درسه السوسيولوجي هذا، حيث أنه قدم أربع احتمالات ممكنة في تعامل المحلي مع هذه العولمة :-السيناريو الأول: هو سيناريو التوحيد الشمولي أو التوحيد العالمي بمعنى أن هذه الثقافة الغربية ستسيطر على كل ثقافات العالم ، و أن العالم أجمع سيصير نسخة طبق الأصل للمجتمع الغربي و للثقافة الغربية و لنمط العيش الغربي ، بحيث سنجد كل المجتمعات لها نفس الأفكار والمعتقدات و تستهلك نفس المنتوجات و نفس المسرحيات و الصحف …التي يستهلكها الغرب و هذا السيناريو بائس. -السيناريو الثاني: و في هذا السيناريو ستظل المجتمعات غير الغربية تستهلك الثقافة الغربية حتى تصل إلى درجة الإشباع ، بيد أن الاختلاف بين السيناريو الأول و الثاني هو أن الإستهلاك في هذا السيناريو هو استهلاك بطيء و تدريجي و سيكون طويلا عبر الزمن ، و بعد تلاحق الأجيال ستصبح المعاني و الثقافة المحلية للمجتمعات الثالثية متلاشية و منعدمة .-السيناريو الثالث : وهو سيناريو تشويه محيط الثقافة الغربية ، بمعنى أنه سنتبنى ما هو رديء في الثقافة الغربية و الأشياء المهمة التي سنقوم باقتباسها من الغرب سنقوم بتشويهها ،القيم المثلى للغرب ستتعرض للتشويه عندما تنتقل إلى المجتمعات الأخرى لسببين هامين و هما : أن المجتمعات الغربية ستحرص أكثر إلى تصدير ما هو رديء لديها لهذا ستصبح لدينا ثقافة معولمة رديئة و غير ذات جدوى ، و السبب الثاني هو أن الطرف المستقبل غير مستعد لمعرفة ما هو مهم و ما هو أقل أهمية .-السيناريو الرابع : هو سيناريو النضج إذ أن هذا السيناريو ينبني على حوار و تبادل متساو بين العالم الثالث و الغرب و لن تنتقل بشكل أعمى النماذج الثقافية الغربية السلبية بل سنستقبل الثقافة النافعة و المهمة، سنقوم بفحص الأشياء وتمحيصها بطريقة انتقائية قبل اقتباسها و تبنيها ، بعد ذلك سنعالجها و سنعمل على إغنائها ، ثم سنقوم بإرجاعها إلى المجتمعات الغربية في إطار التبادل ، في هذا السيناريو كذلك سيتم تحفيز الثقافة المحلية على الحفاظ على اختلافها وخصوصيتها ، العولمة في هذا السيناريو ستمنحنا الفرصة للحفاظ على ثقافتنا و ما هو خصوصي لدينا بمعنى أكثر توضيحا ، لن تكون هناك عولمة تدميرية و إنما عولمة تحفز على الاختلاف والتسامح ، و في النهاية سنتوفر على مجتمعات ذات أصول ذات ثقافات متعددة و مختلفة ، ثقافة كل مجتمع ستكون خليط بين ثقافات متعددة . فبدل أن تسيطر ثقافة الغرب على الثقافات الأخرى سنجد صيرورة من حوار الثقافات بين المجتمعات حوار بين ما هو معولم و ما هو محلي .المصدر: http://abkarinyo.blogspot.com/…/28-2010-20102011.htm
