إطلالة الزبير عروس
في مساحة تنشر فيها الجمعية نصوص ذات دلالة، اخترنا مقتطفاً من محاضرة حول “التصوف ، الإنسان والعالم ، وتجلياتهما على مستوى النظر والعمل” لأستاذ علم الاجتماع الجزائري الزبير عروس، نائب رئيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع: مسألة الإنسان والعالم، تعتبر من أبرز القضايا التي خاضت فيها المتون الفكرية للتجربة الصوفية على اختلاف صنوف خطابها الروحي التربوي، و نشاط مؤسساتها الاجتماعية ذات الصلة بالتضامن و التكافل الاجتماعي. الصوفية على اختلاف انتماءاتها العقائدية و تنوع مصادر خطابها المعرفي الإنعتاقي , و نهج سلوكها ألزهدي الإنعتاقي ، تتوق إلى : من حيث الهدف ، الوصول إلى الإنسان الكامل المتسامي و العالم المأمول،على تنوع درجاته الوجودية وأصنافه الواقعية و المتخيلة التي يمثل فيها الإنسان(عالم الواقع) الذي يسعى في لحظات وجوده المادي بلوغ (عالم الطموح( بتواضع، وفق مقولة: ( الإنسان عالم صغير، والعالم إنسان كبير)، إنها محنة الشقاء المعاش و لذة الوصل و الانتقال من عالم الشقاء إلى عالم الرخاء. الإنسان الكامل في الفكر الصوفي، يُدافع الزمن و ينتصر عليه وفق مقولة : (طي الزمن)، و منطق الحياة و الفناء و نظرة الراقب والمراقب ،و منطق التوالي الزمني في النص المنقبي، فالإنسان يستطيع أن يُخضع الزمن و ينتصر عليه في لحظات الوجود المادي،حينما تتواتر كراماته و تتحقق، بعد عتبة الفناء الموصلة إلى الحياة الأبدية، فتوق الصوفي يتحقق بالوصول إلى مراتبه ، بالزهد وتعمير الأرض بالعمل الصالح (ما قلّ عمل برز من قلب زاهد ، ولا كثر عمل برز من قلب راغب) ، وسمو الروح المعنوية، و تواضع الإنسان في علاقته مع عوالم الكون كتمهيد للعبور إلى الحياة الأبدية ،بعد فناء الذات المادية و تخلّصها من صور الأعمال وظواهرها التي لا تفيد ،بل جلال الإفادة هو (الإخلاص) وفق مقولة : ابن عطاء الله (الأعمال صورة قائمة و أرواحها وجود سرّ الإخلاص فيها) ، إنه مسعى الخلاص الذي لا نحصل عليه حتى نبحث عنه بإضناء الجسد و تهذيب الروح. هذا المسلك الصوفي بنهجه الوجودي الروحي، يتطلب الإلمام به، الإبحار في متون أغواره العرفانية و تحليل تحف مخازنه المعرفية في كل تجلياتها العملية ، من خلال مرافقة نشاط مؤسساته الناظمة ، التي تسعى لتحرير الذات من أنانيتها ، و تجعلها تسيح في العالم الآخر المتعدد ، بعيدا عن عبثية الأهواء الذاتية ، و أنانية الأنا التي تسعى إلى تكريس القبح المعنوي، الذي يتجسد في التطرّف و الغلوّ في أحادية الانتماء ، الذي يخالف طبيعة الفطرة الإنسانية و يتنافى و العيش المشترك ، القائم على الاحترام والمحبة على المستوى الروحي و لطف التكاتف و التكافل ، من جهة العيش الإنساني على المستوى الاجتماعي ، الاقتصادي و الثقافي ، لذا يكون الإنسان هو المعنى المسجد لمعنى حكمة الوجود.
